الأحد، أيلول ٠٣، ٢٠٠٦

اللوبي الإسرائيلي ورياضيات المجازر في لبنان وفلسطين

أطلقت جميع المنظمات اليهودية الدولية والاميركية، حملة لجمع 300 مليون دولار في عملية دعم لل21 مدنياً إسرائيلياً و116 جندياً الذين قتلوا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان (وذلك لا يشمل الأشخاص ال18 الذين ينتمون لفلسطينيي 48).
وكمساعدين لوزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن أياً من هذه المنظمات ال52 لم ترفع صوتاً شاجباً واحداً حول التدمير الشامل الذي شنّته إسرائيل ضد منازل المدنيين والمستشفيات وقوافل اللاجئين والكنائس والمساجد، وعمليات القتل المتعمّد للمدنيين ولعناصر قوات حفظ السلام ولعمال الإغاثة.
بل على العكس، كان صوت اللوبي الصهيوني صدىً متطابقاً للأكاذيب الإسرائيلية، كتلك التي اّدعت أن المقاومة اللبنانية استعملت المدنيين <كدروع بشرية> ما تسبب في مقتلهم، على الرغم من تدمير إسرائيل لمناطق مكتظة سكانياً، وخارجة عن نطاق صواريخ حزب الله.
حجم تستّر اللوبي اليهودي عن العدوان الإسرائيلي الوحشي يقاس بالتفاصيل والأرقام:
أطلق الجيش الإسرائيلي 5000 قذيفة يومياً على لبنان، تنوعت ما بين القنابل (5 أطنان) الخارقة للملاجئ والقنابل الذكية، والقنابل العنقودية والقنابل الفوسفورية المضادة للأفراد، وذلك خلال الأيام ال27 الأولى للحرب، أما في الأيام السبعة الأخيرة، فأطلقت إسرائيل 6000 صاروخ وقذيفة يومياً، ليصبح المجموع العام في الأيام ال34 للحرب أكثر من 177 ألفاً من الصواريخ والقذائف، فوق بلد مكتظ سكانياً يعادل حجمه حجم أصغر ولاية في الولايات المتحدة. في المقابل، أطلقت المقاومة الوطنية اللبنانية 4 آلاف صاروخ طوال أيام الحرب، بمعدّل 118 صاروخاً في اليوم. وبالأرقام، فإن النسبة بين الجانبين هي 1 مقابل ,44 وذلك من دون ذكر الفوارق في حجم هذه الصواريخ، وآلاف القنابل العنقودية التي لم تنفجر في لبنان، والتي قتلت أو أصابت، حتى الآن، حوالى 50 مدنياً منذ انتهاء الحرب. ناهيك عن سياسة <الأرض المحروقة> للغزو البري العسكري الإسرائيلي.
وتحدّث اللوبي اليهودي عن 41 قتيلاً من المدنيين الإسرائيليين، ونسوا ذكر أن 23 منهم كانوا من اليهود، حيث إن ال18 الباقين هم من فلسطينيي 48 الذين يشكلون 20 في المئة من عدد السكان.
وهذا العدد <غير المتكافئ> للقتلى من بين فلسطينيي ,48 يأتي نتيجة سياسة الحكومة الإسرائيلية في توفير الملاجئ وأنظمة الإنذار المبكر المخصصة لليهود حصراً، ونتيجة تجاهل المتطلبات الأمنية للمواطنين العرب. إن نسبة القتلى المدنيين مقابل الجنود هي 41 مقابل ,116 أو 26 في المئة من مجمل القتلى الإسرائيليين (ولكن لو أردنا اعتبار اليهود والجنود الإسرائيليين فقط لوجدنا أن النسبة تصبح 23 مدنياً مقابل 116 جندياً أي ما نسبته 16 في المئة من القتلى اليهود كانوا من المدنيين)، الأمر الذي يؤكّد أن المقاومة اللبنانية ركزت قذائفها على الجيش الإسرائيلي المعتدي.
في المقابل، في لبنان، قتل حوالى 1181 في حصيلة غير نهائية، 1088 منهم من المدنيين مقابل 93 فقط من المقاتلين. أي بعبارة أخرى، 92 في المئة من القتلى اللبنانيين كانوا من المدنيين، أي ما يفوق ثلاثة أضعاف معدّل المدنيين الذي قتلوا بنيران المقاومة، أو ستة أضعاف معدّل قتلى اليهود المدنيين (وهم يشكلون الشريحة الوحيدة التي تهتم بشأنها آلة اللوبي الصهيوني الإعلامية).
ولوضع هذه الأرقام في إطار أوضح: مقابل كل يهودي إسرائيلي مدني قتلت إسرائيل 47 مدنياً لبنانياً. ويتغنّى اللوبي الصهيوني بالأخلاق الإسرائيلية والتفوق العسكري في الشرق الأوسط الأمر الذي يتناقض مع التحذيرات التي تطلقها إسرائيل بشأن أمنها والخطر الذي يهدد وجودها. هذه الادّعاءات تمزّقت إرباً بعدما فشلت إسرائيل في إبادة حزب الله.
ويدّعي اللوبي، مرددا كلام الجيش الإسرائيلي، بأن القوات المسلحة الإسرائيلية لا تقهر، ويبدو أنها ادعاءات منبثقة عن حرب ضد أطفال المدارس الفلسطينيين الذين يرمونهم بالحجارة، حيث أثبتت الحرب الأخيرة أنهم عاجزون عن مواجهة مجموعة مسلّحة من المقاومة الوطنية.
استناداً إلى تقرير للأمم المتحدة، قتلت إسرائيل، ما بين 26 حزيران و26 آب من العام الحالي، 202 فلسطيني، 44 منهم من الأطفال، مقابل <فقدان> جندي واحد من جنودها. أما في لبنان، فإسرائيل خسرت 116 جندياً مقابل 93 مقاتلاً لبنانياً في 34 يوماً (أي نصف المدة في الأراضي الفلسطينية).
وبعبارة أخرى، فإن الاسرائيليين الذين قتلوا جراء اجتياحهم للبنان خلال شهر واحد يشكلون أكثر من 157 ضعفاً من الإسرائيليين الذين قتلوا في فلسطين خلال شهرين (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، 26 آب 2006).
وتبيّن زيف حملة اللوبي اليهودي الدعائية في الكونغرس الأميركي التي استعملت وسائل الإعلام الجماهيري وحتى داخل المجتمعات الصغيرة، للدفاع عن <الصيف الإسرائيلي الماطر> (إمطار القنابل على المدنيين)، ضد الفلسطينيين، حيث كشف تقرير الأمم المتحدة، الذي لخّصته صحيفة <هآرتس> الإسرائيلية (في 27 آب)، أن إسرائيل تستعمل <سياسة قاتلة هي سياسة الأرض المحروقة>.
وفقاً ل<هآرتس> فإن <اللوبي، مثل كل التوتاليتاريين المتمرسين، يقلبون الأدوار، ويصفون الضحايا الفلسطينيين (جميع القتلى ال202) بالإرهابيين، والقتلة (الجيش الإسرائيلي) بالضحية (جندي إسرائيلي واحد، قتل على الأغلب بنيران صديقة)>.
وكان كاتب المقال جورج اورويل قد أعدّ بحثاُ لاذعاً عن <رواية اللوبي حول مزرعة الحيوانات الإسرائيلية> حيث يستحق موت إسرائيلي واحد قتل 202 من الفلسطينيين.
وفي استقصاء يومي لنشرة <دايلي أليرت> الدعائية، التي يعدّها مركز القدس للشؤون العامة (وهي نشرة شبه رسمية للنظام الإسرائيلي)، تبيّن عدم وجود أي إشارة إلى أن الدولة العبرية قتلت نحو 10 مدنيين لبنانيين مقابل كل مقاتل (في حزب الله)، في حين أن المقاومة في حزب الله قتلت من الجنود الإسرائيليين ما يشكل أربعة أضعاف المدنيين الإسرائيليين (اليهود وغيرهم). كما لم تنطو النشرة على أي مقال تحليلي من الصحف المرموقة. وذكرت ال<جيروزاليم بوست> و<التايمز> البريطانية أن القصف الإسرائيلي المتطور نجح، بدقة بالغة، في استهداف المدنيين، في حين أن أسلحة المقاومين اللبنانيين الأقل تطوراً أصابت في معظم الأحيان الجنود الإسرائيليين.
هذا الإغفال من قبل اللوبي اليهودي وأعضائه ومؤيديه كان ضرورياً للغاية، لتخليد أسطورة أن إسرائيل تشن هجوماً <دفاعيا ووجودياً> من أجل <البقاء> ضد <الإرهابيين> الإسلاميين المجسّدين في حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية.
وأتساءل هل كان تدمير إسرائيل ل15 ألف منزل في لبنان إجراءً دفاعياً كما يدّعي اللوبي؟ هل يؤمن هؤلاء اليهود المتعلّمون حقاً أن قصف المستشفيات والكنائس والمساجد، ووسائل النقل، والجسور كانت أعمالاً <وجودية> ضرورية لبقاء <الدولة العبرية>؟ ألا يفهمون القواعد الرياضية المذكورة أعلاه؟ رياضيات المجازر؟.
ألا يعرف أقطاب هوليوود الذين تبرعوا بسخاء لآلة الحرب الإسرائيلية أن مستشار الرئيس بوش في الشرق الأوسط اليوت ابرامز أيّد الخطة الإسرائيلية التي هدفت إلى تدمير حزب الله، في مطلع الصيف، أي قبل شهر واحد على الأقل من اندلاع الحرب؟ (مقال لسيمور هيرش، نيويوركر، 21 آب 2006). بالطبع تعرف النخبة اليهودية المثقفة كل شيء عن النهم الإسرائيلي للسلطة، كانوا يعلمون لكنهم دعموا وصادقوا على الجرائم الإسرائيلية قبل وبعد وقف إطلاق النار، ما يجعلهم شركاء.
وفيما يسعى اللوبي اليهودي لجمع الأموال للمدنيين والجنود اليهود حصراً، فإن حزب الله منهمك في تنفيذ برنامج غير طائفي لإعادة الإعمار، بصرف النظر عن الدين او العقيدة. والسبب لذلك هو أن المقاومة اللبنانية هي حركة وطنية.
وفي ما يلي حقيقة يجهلها إيديولوجيو اللوبي: إن 20 في المئة من المقاتلين اللبنانيين ال93 الذين قتلوا في الحرب كانوا من منظمات غير <حزب الله>.
وبنتيجة حربهم الخاسرة، يتجلّى الغضب الإسرائيلي في الاعتداءات الوحشية اليومية على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وفي سلسلة الجرائم <الوجودية> ضد رماة الحجارة من الأطفال
. يبدو أن تلك هي <أخلاق اليهود>!.

كاتب المقال جايمس بيتراس، مؤلف وأستاذ سابق لعلوم الاجتماع في جامعة بينغهامتون في نيويورك. (من موقع <كليرينغ هاوس>)

ترجمة: جنان جمعاوي