الاثنين، أيلول ٠٤، ٢٠٠٦

هواء طلق ... كل عناصر الانتصار


رشاد أبوشاور

تعيد المقاومة اللبنانيّة للإنسان العربي حالة من التوازن النفسي، والروحي، لأنها حرب (غير شكل) عمّا سلف من حروب (عربيّة) رسميّة، إمّا فاشلةً خاسرة، أومبدّدة.
انتدب حزب الله نفسه للدفاع عن لبنان، ومواصلة انتصار عام 2000، لأنه بالتحليل المنطقي، وبالعقل، عرف أن هذا العدو لن ينام على هزيمته تلك، ولن يترك حزب الله (حيّاً) يسبح في بحر جماهير تمحضه ثقتها واحترامها و (صوتها) ...
حزب الله وإن تكوّن في أحضان (طائفة) مسلمة، فإنه لم يسلك سلوكاً طائفيّاً، ولم يؤخذ عليه في أي يوم تفريقه بين لبناني ولبناني دينيّاً، ولذا نرى أن بعض أبرز المقربين منه سياسيّاً هم مسيحيو (الدين)، وطنيو وعروبيو الانتماء ...
لم يغب عن تفكير حزب الله وقيادته الواعية المؤمنة أنه بخوضه لمعركة الدفاع عن سيادة لبنان أرضاً، وسماءً، وهويّةً، إنما يخوض معركة فلسطين والعرب كأمّة، والمستضعفين في العالم ...
أعدّ حزب الله للمعركة التي توقع قدومها في أي وقت، وحسب جيّداً ما يملكه العدو من إمكانات عسكريّة تدميريّة، ومن صلف وغرور، وقسوة ووحشيّة، وخطط كما هو جلي _ بعد أربعة أسابيع من الحرب_ للتقليل من تميّز وتفوّق أسلحة هذا العدو، مبتدئاً بالعنصر البشري، وجعله أساس المفاجأة في هذه الحرب، فهو مقاتل معّد بدنيّاً وروحيّاً ونفسيّاً، لا ينسحب من الميدان، ويأتمر بأمر قيادات ميدانيّة وعليا ثابتة معه على كل الصعد، قيادات استشهاديّة الروح، لا قيادات فضائيات واستعراضات، وزوّد مقاتله بكّل ما يمكّنه من الصمود والثبات في الميدان، ويمنحه ميّزة سرعة الحركة بأسلحة متواضعة قياساً بما يملكه العدو، خفيفه ليحملها فرد أو أكثر، وفعّالة تناسب سرعة وحيوية مقاتل لا ينتظر العدو وإنما يلتف حوله، يلسعه بغتةً، يضرب ويختفي، فعله ظاهر، وجسده خاف حتّى على أدّق أجهزة الرصد التكنولوجيّة المتجسسة من الجو، والبحر، وعلى الأرض، وعلى كاميرات مراسلي الفضائيات، الذين يعلنون يوميا أنهم لم يروا ولو مقاتلاً واحداً من حزب الله على أرض الجنوب!
أعّد حزب الله قوّته العسكريّة القليلة العدد، بقدرات بدنيّة، ونفسيّة، وإيمانيّة، بحيث تهيّأ رجاله لخوض حرب حقيقيّة مع عدو اعتاد دائماً على الانتصار على جيوش (دول) عربيّة، مهما حشدت ...
مع وضوح الهدف، وبناء القوّة، يبدو لي أن قادة حزب الله (المقاومة الإسلاميّة)، قد طرحوا على أنفسهم أسئلة عن كل شيء، وفي كل شيء، فمثلاً من يخض هذه الحرب الرهيبة، لا بدّ، وهذا واضح ولا يحتاج للغوص، أنه طرح الأسئلة: كيف نحمي أنفسنا من طيران العدو المتفوّق؟ ما الأسلحة المناسبة للتصدّى لدبابات العدو المصفحّة التي لا تخترقها قذائف الآر بي جي العاديّة؟ كيف نجعل قوّات العدو في حالة هلع دائم، في حال فكّرت بالاختراق في أي محور؟ كيف نثبت وراء وحول قوّات جيش اعتاد على الاختراق، والالتفاف، وخوض حروبه بغزارة نارية هائلة، وفي وقت سريع، وانقضاض خاطف؟
واضح أن حزب الله _ وقادته رجال دين، وليسوا دراويش في التكايا والزوايا، ولا هم خطباء (جمعة) وظيفتهم التضليل، والدعاء للحكّام، والحّض على طاعة (أولي الأمر)، ولكنهم رجال دين مجاهدون ولدوا على أرض الجنوب المقاتل منذ الستينات، وفي كنف أسر ذاقت الاضطهاد الاجتماعي، فكان الدين عامل تثوير لا وسيلة تضليل وتجهيل _ قد أحاط كّل نشاطاته، وعمليات البناء الضخمة، بستار من السريّة والكتمان، بحيث لا يعرف أي عنصر في الآلة الجبّارة سوى ما يجب أن يعرف، ولا يبوح به لغير نفسه وضميره، فهو حامل أمانة، وهو حامل هدف مقدّس، وهو مؤتمن على (سّر) الانتصار ...
الصدق: بعد تحديد الهدف، وبناء ما يضمن الصمود، أي الانتصار، وإحاطته بما يحميه أمنيّاً _ أذكّر بالشبكات التي قبض عليها حزب الله في السنوات الأخيرة، وهذا انتصار كبير


له على العدو الذي بقي أعمى رغم كل ما عرف عنه من قدرات استخباريّة، واختراقيّة _ مع النفس، ومع أبناء الوطن، بات سمة أصيلة من سمات حزب الله قيادةً، ومقاتلين و..
وإعلاماً يتجلّى في فضائية المنار المجاهدة، بدقّتها، وحيويّتها، وهدوئها، وشبكة مراسليها، فلا تهويش، ولا تهريج، فكّل شئ مدروس، من الخبر حتى برامج الحوار مع قادة الاتجاهات السياسيّة، رغم الخلافات، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن مواقفهم ...
تفاعل ملايين العرب بدأ بطيئاً، فثقل الهزائم المرنّخة في النفوس والعقول، يستحيل أن يزول بسرعة، ولكن البطولات في الميدان، وعظمة شعب لبنان الملتف حول مقاومته، وبهدلة جيش العدو في جبهة القتال، بحيث إنه يتقدّم بضعة أمتار ثمّ يلوذ بالفرار رعباً مّمن يلتفون حوله مشتبكين معه وجهاً لوجه، ضاربينه في صدره، وظهره، وعلى جنبيه ...
الخطاب السياسي الواثق، الواضح، بصوت وصورة السيّد حسن نصر الله بات زاداً نفسيا، وفكريّاً، وثقافيّاً، ينتظره ملايين العرب (والمسلمين) الذين يصدقّونه ويثقون به، هو أحد عوامل الصمود، بل هو سلاح في الحرب النفسية للصديق وللعدو ...
حزب الله بلسان السيّد حسن _ هكذا بات اسمه عند الناس، إذ هناك سيّد و.. حسن .. واحد _ قال في خطابه بتاريخ 3 آب الجاري : نحن نقوم برّد فعل على ما يفعله العدو، يضربنا بالصواريخ فنضربه، يضرب مدننا وقرانا فنرّد عليه و.. إذا ما ضرب عاصمتنا بيروت فسنضرب عاصمته تل أبيب ...
جمهور العدو تربّى في فترة وجيزة على أن يصدّق السيّد حسن، وحزب الله، وإعلام المنار، وهذا انقلاب في دور الإعلام، فنحن عرب المشرق اعتدنا على متابعة أنباء الحروب من إذاعة (صوت إسرائيل) أو (بي بي سي) أو (مونتكارلو)، ولم نكن نثق بإذاعاتنا خّاصة بعد سلسلة الهزائم، وافتقاد الإعلام الرسمي للمصداقيّة ...
يحدث حزب الله ومقاتلوه انقلاباً في المفاهيم، يعيدون للإنسان العربي الثقة بنفسه وبقدراته، ويضعون ملايين العرب في مواجهة مع نظم حكم عربيّة متواطئة، أو مهادنة، أو متفرّجة، ويفرز بين العدو والصديق، ويضع كل عربي أمام مسؤولياته في عملية فرز عظيمة، بحيث أن الجماهير العربيّة باتت تؤمن بأن ( شافيز ) أكثر عروبة من قادة عربا أبا عن جّدً، وأن (ماليزيا) أكثر شجاعة وإسلاماً من دول أعضاء في الجامعة العربيّة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القدس العربي ، الأربعاء 9 آب 2006