الجمعة، أيلول ٢٩، ٢٠٠٦

كتاب المقاومة الوطنية العراقية 4

بقلم : حسن خليل غريب


الفصل الثالث

آليات قرار الحرب الأميركية ضد العراق




أولاً: مراحل الإعداد الأميركي للعدوان على العراق

1- على صعيد المؤسسات الفكرية الموجِّهة للإدارة الأميركية

أصبح من المعروف أن المؤسسات المالية الكبرى، ومؤسسات الصناعات العسكرية منه بشكل خاص، هي التي ترسم سياسة الولايات المتحدة الأميركية. وهي التي تدعم هذا الفريق الأميركي أو ذاك للوصول إلى مواقع السلطة. فتصبح السلطة مرتهنة لإرادة تلك المؤسسات([1]). وفي الوقت نفسه، وحيث إن اللوبي الصهيوني هو الأقوى على التأثير على قرارات الإدارة الأميركية، تمَّ التوافق ما بين المصالح الرأسمالية الأميركية المباشرة ومصالح الحركة الصهيونية العالمية.

ولتحقيق تلك الإنجازات قامت المؤسسات المالية الكبرى بتأسيس مراكز للدراسات تستند إلى تقاريرها ورؤاها في التخطيط لكل ما يسعفها في فرض هيمنتها على الاقتصاد العالمي. وإن ما صدر من كتب ودراسات انتشرت على الصعيد العالمي، مثل نبوءات »صدام الحضارات«(V)، و»نهاية التاريخ«(VV)… ليست إلاَّ جزءًا من إنتاج تلك المراكز التابعة للمؤسسات المالية الكبرى. واستمرَّ نشاط تلك المؤسسات ودورها على الرغم من تحذيرات أطلقتها بعض الأوساط السياسية الأميركية وأظهرت مدى خطورتها على الحريات العامة والممارسة الديموقراطية([2]).

ولما اتَّخذت المؤسسات المالية([3]) قرارها بالهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها الوطن العربي، راحت مراكز الأبحاث التابعة لها ، تقوم بوضع عدد من السيناريوهات(])، ومنها تلك التي وضعتها مراكز الأبحاث الاستراتيجية. فكان العراق أولوية أميركية([4]) لأكثر من سبب أشرنا إليه سابقاً في هذا البحث.

2- على صعيد تأمين الذرائع والقوى الدولية والاقليمية والعربية الداعمة لتغطية العدوان :

لقد خُطِّط لحرب احتلال العراق قبل وصول جورج بوش وإدارته إلى البيت الأبيض، من خلال انتخابات طغى عليها الاحتيال، في نوفمبر 2000م، ومن الواضح أن الأمر لم يكن يتعلق بأسلحة دمار شامل ولا بالإرهاب، وهي البدعة التي أخذت تتضح شيئاً فشيئاً من خلال ما انتشر على الملأ، بخصوص تزييف الأدلة، والتقارير الخادعة، والإرهاب الإعلامي وكل أنواع الضغوط، التي تمّ استخدامها والتلاعب بها، بالتواطؤ إلى حدّ كبير مع الصحافة الأمريكية الكبرى، في محاولة لتسويغ العملية العسكرية ضد العراق.

مهَّد جورج بوش للعدوان على العراق، في خطاب »حالة الاتحاد« أمام الكونغرس في 29/ 1/ 2002م، الذي أطلق فيه شعار »محور الشر« موجهاً الاتهام بالتحديد إلى العراق، مثيراً ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل([5]).

وفي شهر آب / أغسطس من العام 2002م، اتَّخذت إدارة جورج بوش الابن قراراً بالحرب ضد العراق، ومن بعده راحت تعمل من أجل تأمين غطاء شرعي دولي، كخطوة تزيح عبء الاحراج عن الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة الأميركية والمتواطئة معها([6]).

أ-تمهيد ساحة الأنظمة العربية لتأمين غطاء عربي

منذ أن قادت الولايات المتحدة عدوانها الأول ضد العراق في العام 1991م، كانت معظم الأنظمة العربية في خندق التحالف معها. أما انخراطها في التحالف مع الإمبريالية الأميركية، فلم يكن وقتياً؛ بل لمثل هذا الخضوع أسباب تاريخية. أما الأسباب فهي متعددة ومتشعبة، تبتدئ من طبيعة التركيب الطبقي للنخب الاقتصادية والسياسية العربية، وتنتهي بإمساك قوى الرأسمال العالمي بالمفاصل الأمنية، والسياسية والعسكرية، من أجل حماية تلك الأنظمة، والعمل من أجل إبقائها على رأس السلطات الرسمية.

وباختصار، فإن المشروع النهضوي العراقي، بما أثار من مخاوف تلك الطبقات والنخب، كان دافعاً إضافياً لها إلى تقديم المزيد من التنازلات لقوى الرأسمال العالمي ومشاركتها في التآمر ضد نظام الحكم في العراق.

أما حول الحسابات التي وضعها تحالف بعض النظام العربي الرسمي مع قوى رأس المال خشية من ردود الفعل الشعبية العربية، فقد تم تأهيل قوى الأمن المختصة، بما يُسمَّى بمحاربة الشغب، من أجل احتواء ردود الفعل الشعبية بشتى الوسائل والإمكانيات، لكي تقوم بدورها، تارة بفسح المجال للقيام بتنفيس موجات الغضب على أن تكون تلك الفسح تحت السيطرة. وتارة أخرى باستخدام أساليب الاعتقال واستخدام القسوة في تفريق المظاهرات، وما إلى هناك من وسائل وأساليب، ومنها الاستفادة من خدمات مؤسسات ثقافية وفكرية وسياسية وإعلامية، تنتشر هنا أو هناك من الأقطار العربية. وهذا ما يدفع بنا، أيضاً، إلى تحميل مسؤولية كبرى لتلك المؤسسات، بما فيها من وسائل التضليل التي يقوم بها خبراء من المثقفين المرتبطين بمراكز أبحاث الشركات الصناعية الكبرى، واللامرتبطين بقضايا أمتهم ومجتمعاتهم. وليس من المستغرب إذا ما استنتجنا بأن هناك توأمة ما بين تلك المراكز والقوى العربية مع المراكز الأم التابعة للشركات الرأسمالية الكبرى.

استناداً إلى تلك الأسباب كانت الإدارة الأميركية واثقة من أن عدداً من الأنظمة العربية والإقليمية سوف تشارك في العدوان على العراق، حتى ولو تحت ستار بعض التحفظات([7]).

ب-تمهيد ساحة المعارضة العراقية في الخارج

تحتضن مراكز الأبحاث التابعة للشركات الأميركية الكبرى الآلاف من الاختصاصيين الذين تستقدمهم من معظم دول العالم للاستعانة بخبراتهم بأوضاع مجتمعاتهم لوضع الدراسات الملائمة التي ترشد مخططاتها في الهيمنة على أسواق تلك الدول، ورصد الاتجاهات السياسية فيها.

كما تقوم مراكز المخابرات التابعة للإدارة الأميركية بالاحتفاظ برصيد من الشخصيات والقوى من مجمل دول العالم، أيضاً، كاحتياط تستخدمه في تنفيذ مخططاتها. ويخضع هؤلاء إلى دورات من التأهيل التربوي العالي على أيدي اختصاصيين من مراكز المخابرات ليكونوا عوناً لها في تنفيذ مخططاتها في الدول المستهدَفَة بتلك المخططات. ويكون هؤلاء –عادة- من الناقمين على الأنظمة السياسية في أوطانهم الأم. ولتمتين روابط أولئك مع أجهزة الاستخبارات، تعمل تلك الأجهزة بإغراقهم بالامتيازات المادية والمالية، بحيث تربط مصالحهم الاقتصادية مع شركات أو شركاء لهم مواقعهم في المؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، أو مع الشركات الكبرى في الدول الحليفة لها.

لم تكن المعارضة العراقية في الخارج، خاصة تلك التي لا ترتبط بإيديولوجيات حزبية، بمثل تلك الضخامة التي صوَّرتها وسائل الإعلام ذات الأهداف المرتبطة مع المشاريع الإمبريالية. ولذلك يعود تكوينها إلى بداية الحرب العراقية – الإيرانية. فمنذ تلك المرحلة أخذت التيارات السياسية المعارضة تنتقل بمشاريعها إلى خارج الحدود العراقية، وتجد من يحتضنها، سواء من الدول الإقليمية –كإيران مثلاً- أو من الدول الغربية، تحت صيغة حمايتهم من التصفية في بلدانهم إذا لم يُمنَحوا حق اللجوء السياسي. وتحت تلك الصيغ كان يتم إعدادهم وتربيتهم، كاحتياط يمكن استخدامه في وقت الحاجة إليهم.

ومن الملفت للنظر أن للمعارضة العراقية في الخارج تلاوين واتجاهات تصل إلى حدود التناقض، من دينية مذهبية إلى علمانية، من العاملين لبناء دولة ثيوقراطية مذهبية إلى العاملين من أجل بناء دولة مدنية. ومن الجدير بالذكر أن صيغة المعارضة المهاجرة لم تكن أنموذجاً للمعارضات المعروفة في تاريخ الدول، وإنما كان هذا الأنموذج فريداً من نوعه في العراق. ومن أهم الإشكاليات التي يطرحها هذا الأنموذج، إشكالية والتباس بين الوطنية والخيانة للوطن.

وتحت ستار الحق الديموقراطي أجازت، معظم تيارات المعارضة العراقية، لنفسها أن تكون في صفوف القوى الخارجية التي تمارس العدوان على أرضهم الوطنية وعلى شعبهم وأبناء وطنهم(\).

وهنا، تنجلي حقيقة تتناقض مع كل ما وقعت فيه قوى سياسية وحزبية عربية من خديعة حسبت معها أن الولايات المتحدة الأميركية عملت على تشكيل ائتلاف دولي تحت ذريعة الإطاحة بنظام سياسي يحكم العراق. بينما الواقع أن الأجهزة المختصة التابعة للإدارات الأميركية انتهزت فرصة وجود معارضين عراقيين في الخارج، فعملت على استدراج البعض منهم للتعاون معها موحية إليهم أنها سوف تساعدهم على إسقاط نظام يتهمونه بالديكتاتورية. ومن بعدها تقوم بتسليم السلطة لهم لبناء العراق على أسس ديموقراطية.

وأياً تكن وسائل احتواء المعارضة العراقية، بتياراتها وأحجامها، مشاركة البعض أو امتناع البعض الآخر، فإن الإدارة الأميركية كانت واثقة من مساندة أولئك لأي عمل عسكري قد تقوم به الولايات المتحدة ضد العراق([8]).

لم تكن صفوف المعارضين العراقيين موحَّدة الرؤية والموقف، فالبعض منهم تعاون عن سابق تصور وتصميم مع الأجهزة المعادية، لأن فرصة إسقاط نظام الحكم في العراق يعني أنهم سوف يكونون خليفة له، بحيث يتيح لهم الوصول إلى السلطة فرصة تقاسم ثروات العراق مع قوى الاحتلال.

أما قوى معارضة أخرى، مثل تلك التي تنطلق من رؤى طائفية سياسية، فقد برَّرت لنفسها التعامل، وكأن الإدارة الأميركية مقتنعة بأسباب معارضتهم لنظام حزب البعث، أو كأنها تعمل من أجل رسالة إنسانية تستجيب فيها لكل فئة تصور نفسها أنها مغبونة!! ولم يخطر ببالهم أن الإدارة الأميركية تستخدمهم مطية سوف تلقيها إلى جانب الطريق بعد أن تبلغ أهدافها بمساعدتهم.

وإذا أضفنا إلى الشريحة المذهبية، أولئك الذين تعاونوا لأسباب مذهبية مع إيران وحاربوا في صفوفها أبناء وطنهم وقوميتهم، فهم تابعوا مسيرة التنكر لوطنهم عندما استجابوا للتعاون مع »الشيطان الأكبر« تحت ذرائع أنهم يستفيدون من مخططاته في إسقاط النظام العلماني؛ ومن بعدها يتحولون إلى مرحلة طرد المحتل مما يتيح لهم بناء دولة ذات طبيعة مذهبية ثيوقراطية تستعين بجوارها الإيراني وتعينه.

أدَّت الأوهام بتلك الشريحة، إلى حسابات خاطئة، إذ ظنوا أن هناك سهولة في تحقيق النتائج التي يخططون لها. لكن الوقائع أثبتت أنهم كانوا منساقون بدون وعي لأبعاد المؤامرة وحجمها وأهدافها قياساً مع إمكانياتهم، ومدى ملاءمة مشاريعهم مع طبيعة العصر القومي وطبيعة العصر الأممي تحت هيمنة واستفراد رأس المال وشركاته العملاقة.

أما شريحة أخرى من المعارضين، وهم من العراقيين الذين تركوا بلدهم لغير أسباب سياسية، فتشعبت بهم الرؤى، فانفعل بعضهم بما أخذت قوى المعارضة تروِّجه من مظالم ادَّعوا أن النظام السياسي في العراق قد ألحقها بهم، والبعض الآخر وجد نفسه منشدَّاً إلى وطنه فلم يكن ميالاً إلى تصديق افتراءات المعارضة وتضخيمها من قبل المراكز الفكرية والسياسية التابعة للمؤسسات المالية الكبرى.

انطلق أول صوت للمعارضة العراقية من الحزب الشيوعي العراقي والمتعاطفين معه من المثقفين العراقيين، الذين عملوا على إسقاط الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وبرنامجها الديموقراطي. وأخذت تتوسَّع مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، ولكن تلك المعارضة لم تكن بارزة وذات تأثير إعلامي إلاَّ بعد العدوان الثلاثيني على العراق، في العام 1991م.

بعد أن فشل العدوان في تحقيق أغراضه في إسقاط النظام السياسي، راحت مراكز الأبحاث الأميركية تفتش عن خلق تبريرات وذرائع تغطي بدخانها مخططها العدواني في احتلال العراق. ولذلك نصحت بعض أوساط المعارضة العراقية الإدارة الأميركية بالتركيز على المسألة الديموقراطية([9])، وهي شعار رفعته تشكيلات المعارضة العراقية في الخارج، فالتقطت مراكز الأبحاث تلك الذريعة، وراحت تضعها تحت المجهر لتضخيم صورتها، وللترويج ضدها. وبمثل هذا الأسلوب حسبت مراكز الدراسات في أميركا أنها تكتسب عطف تيارات المعارضة العراقية، وتعاطف الرأي العام العالمي الداعم لنشر الديموقراطية.

ج- تمهيد الساحة الدولية لتأمين غطاء دولي للعدوان

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وقيام أميركا بتطويع دول أوروبا الشرقية من خلال المال أو الوعود به، وبعد أن قوَّض التحالف الرأسمالي آخر المعاقل المعترضة في يوغوسلافيا في العام 2000م، وبعد الحرب على أفغانستان، وبعد أن كبَّلت الإدارة الأميركية إرادة روسيا بالاقتصاد والأمن، شعرت أنها أصبحت طليقة اليدين في الوطن العربي، والعالم.

ولأن الوطن العربي يمتلك السوق والثروة فقد جاء على رأس قائمة الأهداف الأميركية. واشتدَّ الضغط على النظام السياسي في العراق لأنه كان خارج بيت الطاعة الأميركي، وكان يظهر الرفض للمخططات الأميركية، ويمارسه بالفعل في مواجهة الاستراتيجية الأميركية الصهيونية.

وبعد أن صنَّعت معارضة عراقية مطواعة لتعليماتها، في أي عمل عدواني تشنَّه على العراق، راحت الإدارة الأميركية تستثمر عوامل القوة التي تمتلكها على الصعيد العالمي والعربي والعراقي، وتضعها في خدمة أسلوبها الضاغط على النظام السياسي في العراق، وراحت تعمل على تمهيد ساحة القرار الدولي لتضعه في دائرة تشريع عملها في احتلال العراق.

كانت المواقف الأميركية محسومة إلى جانب الضغط على العراق لتحقيق مآربها، بالتفاوض أو بالقوة، ولهذا راحت تعمل من أجل المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي، وكان يتم ذلك تحت ذرائع التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل المزعوم وجودها في العراق. وعلى الرغم من أن فرق التفتيش الدولية قد اقتربت من تقديم تقرير يثبت خلوه من تلك الأسلحة، خاصة وأنها قامت بتدميرها، ووضع كاميرات مراقبة للمنشآت التي كانت تنتجها، كان الهم الأساسي أمام الإدارة الأميركية أن لا يصدر أي تقرير عن فرق التفتيش يصب في مصلحة فك الحصار، لأنه في غير مصلحة الإدارة أن يُسقِط العراق الذرائع التي تبرر الحصار المفروض عليه قبل أن ترغمه الولايات المتحدة على الإذعان للقبول بإملاءاتها.

تأكَّدت الإدارة الأميركية بأن العراق لن يستجيب لضغوطاتها، وكانت تلك القناعة مترافقة مع التغيير الرئاسي الذي أتى بجورج بوش الابن، الواقع تحت السيطرة التامة للتوجه الديني والفكري والسياسي الذي تقوده الشركات الأميركية الكبرى بمساعدة اللوبي الصهيوني؛ فحددت ساعة الصفر باللجوء إلى الخيار العسكري ضده.

كان من متممات قرار الحرب على العراق، أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى مجلس الأمن واستعجاله بالموافقة على قرار يؤمن لها غطاءً دولياً يضفي شرعية دولية للقيام باحتلاله. وعلى الرغم من أنها عجزت عن إشراك دول المجلس في الحشد العسكري، كانت ملحاحة –في تنفيذ مشروعها العدواني- إلى الحدود التي كانت فيها على استعداد للقيام به بمفردها.

وهنا، نطرح التساؤل حول الأسباب التي دفعت بالدول الكبرى إلى ممانعة الإدارة الأميركية عن إعطاء الإدارة الأميركية غطاءً دولياً يشرِّع لها عدوانها. وحول ذلك، نرى من المفيد أن نرسم صورة للعلاقات الدولية السائدة بين الدول الكبرى.

تتحكَّم المصالح الاقتصادية بتلك العلاقات، وهي تقوم –غالباً- بينها على أساس مساومات ومفاوضات تضمن –من خلالها- كل دولة مصالحها. فالعرف السائد أن المصالح لا تُكال –في صراع المصالح- بالأخلاقيات والقيم الإنسانية. ولهذا السبب سنرى مدى تذبذب المواقف الدولية الرسمية، كسمة عامة بين الإدارة الأميركية وبين الدول الكبرى.

في مرحلة الحصار، الذي فرضته قرارات مجلس الأمن على العراق، أخذت الأنظمة السياسية لبعض الدول الكبرى فرصة كافية لتخمين مدى استفادتها الاقتصادية في حالتيْ تأييد الحق العراقي في فكّ الحصار أو إدامته.

ولأن الدول الكبرى تدرك حجم المخاطر التي يرتبها استيلاء الأميركيين على كل مصادر الطاقة في الوطن العربي، وقفت في الطرف الممانع للمشروع العسكري الأميركي في كواليس مجلس الأمن وجلساته العلنية. كانت تلك الدول تراهن على أنها قد تلجم الجموح الأميركي من القيام بعمل منفرد ضد العراق، لأن الاستفراد قد يصل إلى حدود استثارة مخاوف الشارع الأميركي من جهة، وإلى حدود استثارة غضب الشارع العالمي من جهة أخرى.

لم تكن تلك الدول تصدِّق أن الجموح الأميركي قد بلغ حدود الشطط، خاصة، وقد تبيَّن –فيما بعد- أن الدراسات التي وُضعت لسيناريو الحرب والتي أكدت للقيادة السياسية الأميركية أنها سوف تكون أقل كلفة وأقل خطورة وأقل خسائر، وقد عزَّزت تقارير مخابرات العدو الصهيوني قناعات كل من وزارة الخارجية الأميركية، والبنتاجون. كما أدَّت الغرض نفسه ادعاءات تيارات وقوى المعارضة العراقية المجنَّدة والمرتبطة مع أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية. وقد تبيَّن –بعد احتلال العراق- حقيقة مراهنة الإدارة الأميركية على معلومات بعض أوساط المعارضة العراقية، وتبيَّن خداع تلك المعلومات، وكذبها، وهو السبب الذي أوقع قوات الاحتلال بأكثر من مأزق.

كانت الإدارة الأميركية حريصة، من أجل طمأنة جنودها والرأي العام الأميركي، أن تحصل على قرار من مجلس الأمن تؤمِّن به شرعية دولية لعدوانها. لكنها في الوقت ذاته لم تكن مطمئنة إلى إمكانية الحصول عليه، لأن الأطراف الدولية لن تدخل الحرب الجديدة بالحماسة ذاتها التي دخلت فيها إلى عدوان العام 1991م، لعدة أسباب، من أهمها: بأن أميركا»كانت قد تفرَّدت بالمنطقة ومواردها«، وهي »لا ترى في الخطر العراقي ما تراه الولايات المتحدة«. لذا قادت الولايات المتحدة –بعد أن نفد صبرها من الحصول على غطاء شرعي دولي- تحالفاً من عدد من الدول التي أعلنت صراحة مشاركتها في العدوان، وبعضها الآخر كانت مواقفه عائمة وغائمة في الظاهر ولكنها قدَّمت خدمات فعلية وتسهيلات كبرى من حيث الدعم الإعلامي واللوجستي وتسهيلات لمرور القوات الغازية([10]).

لم تؤثر المواقف الدولية الرسمية الممانعة للعدوان، ولا المواقف الشعبية والسياسية الدولية والعربية في التأثير على مواقف الإدارة الأميركية. لذا دخلت أميركا وبريطانيا الحرب ضد العراق تحت دخان ذريعتين قامتا بافتعالهما، ولكنهما خادعتين، لأنهما ليستا في أساس أهدافهما، وهما:

-تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل التي تدعي أن العراق يمتلكها. وقد تبيَّن أن هذه الذريعة واهية، وقد جرى تضخيمها من أجل تبرير العدوان، ونسَّقت الإدارة الأميركية مع الحكومة البريطانية من أجل تضخيم هذا الملف.

-إسقاط النظام السياسي في العراق، الذي تدَّعي أنه يهدد جيرانه، والعالم، ولذلك رفعت شعار تحرير العراق وإعادة الديموقراطية إليه.

د-تمهيد الساحة الإقليمية للحصول على تسهيلات لوجستية وسياسية وأمنية:ونقصد، هنا، الدولتين التركية والإيرانية.

حالت تعقيدات العلاقة المتوترة بين الدولة التركية والحركة الانفصالية لإكراد العراق، دون استجابة الحكومة التركية لمطالب الإدارة الأميركية –بتأمين تسهيلات لوجستية لقواتها العسكرية- إلاَّ بما يضمن لها الحصول على صلاحيات تخدم صراعها مع أكراد العراق. فخلق الموقف التركي إرباكاً للخطة العسكرية الأميركية تمظهر في أحرج الأوقات وأدقها. وأضفت تأثيراً سلبياً على تحرك قواتها، دفع بالقيادة الأميركية إلى تغيير خطتها انتظاراً لوصول قواتها العسكرية التي كانت قد أنزلتها على الأراضي التركية تمهيداً لنقلها إلى شمال العراق.

وفي المقابل، توصَّل الأميركيون إلى نتائج لصالحهم في المفاوضات السرية التي دارت بينهم وبين الحكومة الإيرانية. تلك النتائج لم ينكشف النقاب عنها بشكل واضح إلاَّ بعد احتلال العراق. ومن تلك النتائج أنها أدَّت إلى تسوية لتبادل المصالح بين الطرفين، بحيث تتَّخذ إيران موقفاً محايداً من العدوان على العراق، وتقبض ثمنه حصة في الخريطة السياسية العراقية بعد الاحتلال. وإذا عدنا إلى المعلومات التي انكشف النقاب عنها، نرى بوضوح التنسيق المتكامل بين الطرفين([11]).

يتعارض موقف الحكومة الإيرانية مع مبادئها المعلَنَة من كل قوى الإمبريالية، خاصة منها الإمبريالية الجديدة التي تقودها الإدارة الأميركية. وراحت تلك الحكومة –بدلاً من محاربة الإمبريالية- تقوم بالتنسيق معها بمختلف الوسائل والسبل([12]).

ثانياً: الإدارة الأميركية تقرر القيام بالعدوان من دون غطاء شرعي دولي أو إنساني :

وصلت ثقة مسؤولي الإدارة الأميركية بأنفسهم درجة من الجنون، توهموا معها أن قدراتهم العسكرية الهائلة تساعدهم على حكم العالم، وتفاقمت درجة الثقة في قوَّتهم، وقدرتهم على غزو العراق، عندما صوَّرت لهم بعض تيارات المعارضة العراقية في الخارج، أوهاماً تستند إلى أن الشعب العراق ينتظر مخلِّصاً لهم من معاناتهم من النظام السياسي الذي يتولى حكم العراق.

على أساس تلك العوامل، كانت مواقف الإدارة السياسية تتَّسم بالتسرع، وهو من ضمن المخطط الجاهز للتنفيذ؛ وراحت تفصح عن عنجهية إمبراطورية عمَّقتها انتصاراتها في حرب البلقان وأفغانستان. لهذه الأسباب أخذت تتصلَّب في وجه كل الدعوات الدولية الممانعة، يشجعها على ذلك أنها ستضع الجميع أمام الأمر الواقع بعد انتصارها في الحرب. بحيث سيرضخ كل من كان ممانعاً لإرادتها، ويبارك لها ما حصلت عليه، ويغفر لها تجاوزاتها لكل الشرعيات القانونية الدولية ولكل أخلاقيات القيم الإنسانية. أما من كان ممانعاً للإدارة الأميركية فهم:

1-بعض الدول الكبرى ذات التأثير في مجلس الأمن.

2-معظم الدول المشاركة في الهيئة العامة للأمم المتحدة.

3-اللجنة الدولية المكلَّفة بالتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي لم تكن تقاريرها قد حسمت الجدل الدائر حول وجود الأسلحة.

4-الشارع الأميركي من خلال التظاهرات الكبرى التي شهدتها بعض المدن الأميركية، لأن الذين أبدوا معارضتهم للحرب يعرفون أن نتائجها لن تصب في مصلحة بلادهم، بل هي من أجل توسيع مصالح الشركات الأميركية الكبرى.

5-الشارع البريطاني من خلال التظاهرات المليونية التي شهدتها شوارع لندن، وهي التي تعيد أسباب مشاركة بلادهم في الحرب إلى »ذيلية« سياسية للإدارة الأميركية، يمارسها رئيس الحكومة البريطانية.

6-حركة الشارع في الدول التي تؤيد حكوماتها العدوان على العراق، كمثل إيطاليا وإسبانيا وأوستراليا…

7-الكنائس الأنجليكانية، في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، أي في قلب الدولتين اللتين قررتا خوض الحرب ضد العراق.

8-كان من أبرز المواقف وأكثرها جرأة، موقف البابا في الفاتيكان الذي عزم على القيام بزيارة يلقي فيها خطبة أمام مجلس الأمن يحذر فيها من مغبة سياسة العدوان.

9-معظم الشعوب في معظم دول العالم، التي سارت في التظاهرات الحاشدة التي شهدتها معظم عواصم العالم ومدنه.

إنه التفكير اللا إنساني الذي يسيطر على جيوب الشركات الكبرى وعقولهم، وإنه سمة العنجهية الإمبراطورية التي ميَّزت مواقف المسؤولين في الإدارة الأميركية. وقد أسهم الجنوح الرسالي الديني، الذي زرعته اليهودية الأصولية في أذهان بعض المسؤولين الأميركيين في زيادة نسبة الجنون بالعظمة، وكان أكثر المسؤولين انفعالاً بتلك الأوهام الرئيس الأميركي، جورج بوش الإبن، الذي راح يوهم نفسه بأنه مخلص للبشرية بعد أن اصطفته الإرادة الإلهية للقيام بذلك الدور.

لقد قرَّرت الإدارة الأميركية أن تدخل الحرب ضد العراق على أنقاض الشرعية الدولية وأشلاء الديموقراطية المزعومة وعلى نحر للقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، وجرى كل هذا على الرغم من أن بعض تيارات الإدارة كانت حريصة على تأمين ذلك الغطاء، الذي على الأقل يعطي دفعاً للجنود الأميركيين بأنهم يخوضون معركة في القتال وليس معركة للقتل([13]).

ثالثاً: الوقائع الأولى للعدوان العسكري على العراق ونتائجه

عاش العالم لحظة سادت فيها التكنهات حول وقوع الحرب ضد العراق أو استبعاد وقوعها. وكانت مراهنات المستبعدين تستند إلى أن أميركا لا يمكنها أن تغفل غطاء الشرعية الدولية في ظل ممانعات الدول الكبرى، والرأي العام الدولي في ظل ممانعة الشارع العالمي، وإرادة الأخلاقيات الإنسانية في ظل ممانعة الكنائس المسيحية بشكل أساسي.

أما المراهنون على حتمية وقوع الحرب، فلم يسندوا أسبابهم إلى أي شيء إلاَّ إلى العدوان الرأسمالي للشركات الصناعية الكبرى التي توجِّه سياسة الإدارتين الأميركية والبريطانية، وبالتالي دور التيار الصهيوني الرأسمالي والتوراتي.

وابتدأ العدوان، في ليل العشرين من آذار / مارس من العام 2003م. وكانت استراتيجية العدوان تقوم على قاعدة لعبة الشطرنج، أي أن يقوم اللاعبون الأميركيون بقتل الملك في العراق، فيحسمون المعركة من دون حرب. لذا توجَّهت قوة صواريخهم وغزارتها إلى موقع حددت المخابرات الأميركية أن رئيس جمهورية العراق كان موجوداً فيه.

كانت تلك العملية تمثل الطلقة الأولى التي أعلنت فيها الإدارة الأميركية بدء العدوان العسكري. وكانت كاميرات أجهزة الإعلام التابعة للمخابرات الأميركية أو الملتزمة بتعليماتها وأوامرها جاهزة لتسجيل أكبر عدوان عرفته البشرية.

في أيام الاجتياح الأولى كانت الآلة العسكرية الأميركية نشطة، حتى وصلت إلى أبواب المدن العراقية بسرعة، لكن تلك المدن استعصت على الغزاة، وعصيانها كذَّب الخديعة التي أوقعت بعض قوى المعارضة العراقية المخابرات الأميركية فيها. ولكن الغزاة انتظروا لعلَّ، ما كانوا يحسبون أن الذين ينتظرونهم، قد جهزوا الورود لاستقبالهم، لكنهم لا يزالون تحت وطأة الخوف من النظام!! هكذا كانوا يتوهَّمون.

مرَّت الأيام الأولى، وإذا بالجيش، والحرس الجمهوري، والحزب، والشعب يشاركون بالقتال على شتى الجبهات. وتكاثرت عوائق المقاومة العراقية وحواجزها في وجه الغزاة لامتصاص الصدمة الأولى، وتكبيدهم أكثر ما يمكن من الخسائر. وهذا ما أخذ يربك الخطة العسكرية الأميركية الموضوعة، وظهر هذا الإرباك على الإعلام العسكري الأميركي. وتكاثرت التبريرات الأميركية والأكاذيب. لكنها لم تكن واضحة إلاَّ عندما أعلنت القيادة الأميركية أنها سوف تؤجل الزحف باتجاه بغداد أسبوعين، تكون في خلالهما قد استقدمت الفرقة الأميركية الثالثة من شمال العراق، لأنه كما اتَّضح لها أن القوات الأميركية – البريطانية التي دخلت من الحدود الكويتية ليست كافية.

أخذت المقاومة العراقية، وصمود المقاتلين العراقيين، يربكان القادة العسكريين الأميركيين، بحيث انعكس الإرباك على قرارات الإدارة السياسية الأميركية. وأخذت المراهنات على إعلان بدء فشل العدوان الأميركي تلقي بظلالها على مواقف الدول الكبرى الممانعة، وكذلك الأمر على الشارع العالمي الممانع أيضاً. وكانت أشد وطأة على مراكز القرار الأميركي، من شركات ومسؤولين في الإدارتين السياسية والعسكرية.

لكن الفشل كان ممنوعاً على الجيش الأميركي، فكثير من المتغيرات السلبية تُثقِل النظام الرأسمالي العالمي، وليس النظام الأمريكي فحسب، نتيجة ذلك الفشل. فوجدت الإدارة الأميركية نفسها أمام مأزق استثنائي فعليها أن تتخذ قراراً استثنائياً. وكان على الشركاء من دول الرأسمال العالمي، حتى أولئك الذين وقفوا ضد الحرب، أن يحتاطوا من انعكاسات الفشل على عضو كبير في ناديهم.

وجدت الدول الكبرى الممانعة للحرب الأميركية نفسها أمام مأزق، حتى ولو كان أقل وطأة عليها، بأنها لو وقفت على الحياد وأصيب العدوان الأميركي بالفشل، فإنها سوف تنال حصتها من عواقبه، التي سوف يكون أقلها أنها سوف تفقد هيبتها أمام دول وشعوب العالم التي تناضل من أجل التحرر الاقتصادي والسياسي. لهذا أعلنت أنها لن تسمح بفشل الحرب الأميركية على العراق، ولن تكون سعيدة بنتائج فشلها. ولذلك بادر رؤساء، ووزراء خارجية، ومسؤولين آخرين، في تلك الدول بالادلاء بتصريحات تتضمَّن هجوماً على القيادة العراقية، لتشكِّل –بذلك- غطاءً سياسياً للمعتدين باستخدام أسلحة محرَّمة دولياً، ولامتصاص الرفض الشعبي الدولي للعدوان(V).

ولما نشطت حركة الديبلوماسية الأميركية باتجاه الدول الكبرى الممانعة، لم تبذل جهداً زائداً في إقناعها بأنها تتحمَّل مسؤولية في فشل الغزو الأميركي. ونتيجة لتلك الحركة صدر –كما نخمِّن- قرار دولي سري اتَّخذته الإدارة الأميركية، بموافقة من الدول الكبرى، فكان لمثل هذا القرار آثار بالغة الأهمية على مسار العدوان العسكري على العراق.

كان من مظاهر المتغيرات، التي فرضها القرار السري المشترك بين الولايات المتحدة الأميركية وتلك الدول، أن قرار تأجيل الزحف باتجاه العاصمة بغداد، الذي أعلنته القيادة العسكرية بعد مرور أكثر من أسبوعين على بدء العدوان، قد طُوي من دون إعلان، وتمظهر التغيير فيه بإنزال مفاجئ للقوات الأميركية في مطار صدام الدولي، بعد يومين من إعلان التأجيل.

لا شك في أنه قد حصل تطور جديد في قرار الدول الكبرى الممانعة للحرب على صعيد إنقاذ أميركا من الفشل. فما هو العامل الجديد الذي طرأ واتخذت –بناءً عليه- الدول الكبرى قراراً أخذ يغيِّر في وقائع ومسارات العدوان العسكري الأميركي – البريطاني؟ فماذا حصل، في الكواليس السرية الدولية؟

نرى أن النقاب لن ينكشف عنها بالكامل في المدى المنظور، وإن ما نستطيع استنتاجه هو أن شيئاً مهماً قد حصل، كانت نتائجه ظاهرة للعيان في تغيير مسار الخطط العسكرية، ووضع عوامل جديدة تمنع الفشل عن الأميركيين في العراق.

لا شك بأن قراراً استثنائياً قد تم الاتفاق عليه بين الدول الكبرى لمنع الفشل، وقد ظهرت آثار هذا القرار من خلال إنزال القوات الأميركية في مطار صدام الدولي، وهناك حصلت العديد من المعارك الدامية التي أنزلت بها القوات العراقية مئات الإصابات في الجيش الأميركي، هذا بالإضافة ما سبق الإنزال من غارات وحشية للطيران والصواريخ العابرة على العاصمة العراقية طوال ثلاثة أسابيع، لم تتوقف فيها الغارات الأميركية عن القصف والتدمير.

وتتالت الخطوات والعوامل –منذ معارك المطار- وفي نهايتها دخل الغزاة إلى بغداد، بما جعلها تبدو في الظاهر كأنها استسلمت أمامهم بشكل سريع من دون مقاومة أو مظاهر المقاومة التي شهدتها المدن العراقية الأخرى، راح البعض يصفها بشتى الأوصاف السلبية.

تردَّد الكثير من التكهنات لتجلي الغموض عما حصل، وكان من أهمها تسليط الأضواء على عامليْ الخيانة في الجيش العراقي، واستخدام سلاح غير تقليدي في معركة المطار(V). وقد أكَّدت التقارير التي سرَّبتها بعض أجهزة المخابرات الغربية والشرقية أن الأميركيين استخدموا ذلك السلاح. ولكن ما لم يتأكد –حتى الآن- هو حجمه وعدده ونوعيته ومقدار الخسائر التي أوقعها في صفوف القوات العراقية، والتي يقدرها البعض بأنها بلغت الآلاف من الشهداء. وقد يكون ما حصل هو ما دفع القيادة في العراق إلى اختصار المرحلة الأولى لمنع سقوط خسائر أكثر وأشد إيلاماً في صفوف القوات العراقية المدافعة، وأعطت الضوء الأخضر إلى الانتقال للمرحلة التالية، وهي مرحلة حرب التحرير الشعبية الطويلة المدى([14]). فراحت وسائل الإعلام المعادية تستثمر السرعة التي دخل بها الجيش الأميركي بغداد، وراحت تحرِّض على سلبيات تحسب أن نظام حزب البعث العربي الاشتراكي السياسي قد ارتكبها في العراق.

ومن أجل ذلك، فقأت المخابرات الأميركية كل العيون الإعلامية، التي يُشتم أنها قد تنقل وقائع وحقائق لا يريد الإعلام المعادي أن تنتشر وتُذاع، وعملت على إخضاع كل وسائل الإعلام للمراقبة، وبالتالي إلزامها بأن تنقل الصورة التي تشكل مدعاة للتحريض ضد النظام السياسي السابق، والهدف من ذلك، السيطرة النفسية على الشعب العراقي أولاً، وعلى الرأي العام العربي والعالمي ثانياً، وهذا ما يؤدي إلى توفير نصف الجهد في معركة تبرير الأهداف الأميركية وإضفاء المصداقية عليها. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلاَّ بديماغوجية تظهر مثالب الخصم وتكبير أخطائه، أو ابتكار أخطاء واختراعها.

مرَّت المراحل الأولى، وهي تُعدُّ بالأسابيع القليلة، سيطر فيه الإعلام الأميركي، بتواطؤ من بعض الإعلام العربي، وفيه كانت تبرز مسألتان، وهما:

-الأولى: تشويه صورة الصمود العراقي، وتصوير النظام السابق بالمهزوم وكأنه قام بخديعة شعب العراق ومؤيديه في الشارع العربي والعالمي. ولم يتورَّع الإعلام الأميركي عن تضخيم صور الخيانة، وبث الإشاعات عن هروب الرئيس صدام حسين إلى خارج العراق، إما بواسطة صفقة، وإما لأسباب أخرى، يمكن العودة إليها في مصادر المعلومات.

-الثانية: العمل من أجل تضخيم مظاهر ما اعتبرته أخطاء سياسية وأمنية، للنظام السياسي لحزب البعث، على قاعدة الإخراج التلفزيوني، وقامت بتوزيعها وتعميمها بشكل كثيف على وسائط الإعلام العالمية والعربية، التي كانت الأغلبية العظمى منها متواطئة، والبعض الآخر مضلَّلاً. وكانت الإدارة الأميركية ترمي من وراء اتِّخاذ هذا التدبير، مستفيدة من ربحها العسكري، تأمين هدفين متلازمين:

1-التعتيم على الأسباب التي روَّجتها الأوساط الإعلامية للإدارتين الأميركية والبريطانية حول امتلاك العراق أسلحة للدمار الشامل. ولأنها تعلم أن تلك المزاعم ليست صحيحة، فإنها عملت على إخفاء معالمها بإلهاء الرأي العام العالمي بمشاهدة مسرحيات تستأثر باهتمامات المزاج الشعبي وتؤثر فيه([15]).

2-الحصول على شرعية احتلالها من خلال تضخيم صورة، ما حسبته مآسٍ إنسانية صنعها النظام بشعبه. وروّجت وسائط الإعلام وأبرزت شرائط تصور مقابر جماعية، وسجوناً وسجناء صُوِّرت بالطريقة والتعليق لتؤدي دوراً إعلامياً هادفاً…

كانت أجهزة المخابرات الإعلامية، بالإضافة إلى إبراز إعلامي هادف، تعمل على التعتيم حول ما يجري في مدن العراق وقراه، وخاصة في بغداد، من أعمال شعبية عسكرية لم تنقطع منذ التاسع من نيسان من العام 2003م.

تكاثرت وعود الأميركيين للعراقيين بعصر يذوقون فيه طعم نظام جديد سوف يقومون بتأسيسه على قواعد الحرية والديموقراطية وتأمين فرص العمل، وزيادة المداخيل، وتأمين شتى أنواع الخدمات الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية.

وفي المقابل راحت الإدارة الأميركية تبشِّر الشركات الأميركية العملاقة، التي يشارك بملكيتها أو إدارتها عدد من مسؤولي الإدارة الحاكمة، بأن أبواب الثروة العراقية وفرص الاستثمار، والعمل في العراق، في ازدياد مستمر؛ وراحت تستدرج عروض الإعمار والبناء التي سوف تدر على تلك الشركات لبن العراق وترياقه.

كما راحت أبواق إعلام الشركات الرأسمالية الأميركية تمارس فعل الشماتة بشركات الدول الكبرى أو الصغرى التي لم تشارك في الحرب ضد العراق. وهذا ما دفع بعدد من الدول الكبرى إلى السعي من أجل عقد صفقات مقايضة مع الأميركي، الذي صوَّر نفسه على أنه منتصر، تحت صيغ إعادة صفاء العلاقات بين دول النادي الرأسمالي بعد أن عكَّرته المواقف المتباينة من الحرب ضد العراق.

وراح تحالف التيارات العراقية المعارضة يعدُّ نفسه للاستفراد بالمغانم التي سوف تدرها السلطة عليه عندما يصبح في مواقع المسؤولية.

لم تنته المرحلة، ذات العمر الذي لم يتجاوز الأسابيع القليلة، حتى قام جورج بوش الإبن –في أول شهر أيار / مايو، بإعلان انتهاء الحرب، وراح يغدق الوعود على القوات الأميركية التي شاركت في الحرب إلى الاستعداد للعودة بعد أن قاموا بالدفاع عن شرف أميركا وحمايتها من الإرهابيين!! والنظام السياسي في العراق كان من أهمهم.

أما نتائج العمليات العسكرية النظامية فكانت لصالح قوى العدوان، فراحت الإدارة الأميركية تصوِّر، أو هي كانت مقتنعة بالفعل، أنها أحرزت النصر النهائي. وبناء على تلك النتائج ظهرت العنجهية الأميركية والبريطانية بكل وجوهها القبيحة. وإذا ما قمنا بمراجعة الملف –ذي العلاقة- لوجدنا الصورة الميدانية كما صوَّرتها إحدى المقالات، كما يلي: »ارتفعت صيحات النصر بين صفوف (الأميركيين) وتعالت أصوات التشفي بينهم ضد العرب والمسلمين وضد الدول التي عارضت العدوان الأمريكي البريطاني. وإلى جانب هذا وذاك اندفع الغزاة نحو احتكار الغنيمة، ولم يتورعوا عن تهديد معارضيهم الأوروبيين بالحرمان من أي نصيب في تلك الغنيمة وبالانتقام من كل أولئك الخارجين عن طاعة البيت الأبيض.

وبموازاة كل ذلك.. أطلق العنان للنفخ بقوة وشجاعة وحنكة العسكريين الأمريكيين ووُضع العاجزون والخائفون منهم في مصاف الأبطال ونسجت حولهم الأساطير. وما هي إلا أيام قليلة حتى تحول المشهد البطولي الأمريكي البريطاني في العراق إلى كابوس بربري نهبت ودمرت خلاله آيات الحضارة العراقية الفريدة، وأهين فيه أبناء العراق وبناته.. في وقت يجرى فيه الحديث عن التحرير والإنقاذ والديمقراطية«([16]).


حسن خليل غريب

لبــنان في أيلول / سبتمبر 2003م
([1]) إن السياسة في التجارب الإمبراطورية السابقة للإمبراطورية الأميركية كان لا مجال لها خارج إطار الدولة، فالأعمال الحربية وغير الحربية كانت تكليف الدولة الأساس ويقع تحت مسؤوليتها الدستورية. لكن التجربة الأميركية توصلت إلى اختراع جديد هو »مؤسسة الدراسات السياسية والاستراتيجية«. وكانت بدايتها تأسيس »مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك«، الذي أنشيء في العام 1919م، والذي رعته عائلة (روكفلر)، ويرعى تلك المؤسسات –الآن- مجلس تحدد إطار عمله بأنه »متابعة الأوضاع الدولية وإثارة اهتمام الرأي العام الأميركي بها، وتأسيس موقع نفوذ يدعو إلى دور أميركي فاعل في القرار الدولي«. وتأتي إدامة دور تلك المؤسسات بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن الفكر ضروري لتحصين المصالح الأميركية وترسيم مشاريع حمايتها، ولما كان المفكرون ينظرون أولاً إلى الجنوح نحو اليسار، والعسكريون بيروقراطيون كان لا بُدَّ من حماية المفكرين لكن عن طريق احتوائهم في مؤسسات، ثم توجيههم في مرحلة تالية، فكان الإطار الأمثل هو إطار المؤسسة الذي هو الأصلح في استقبال آلاف المؤهلين لصناعة التفكير وتوظيفهم وإغرائهم. ونتيجة لهذا المنطق لرأس المال الأميركي نشأت مئات المؤسسات التي تحمل أسماء أصحاب أكبر المصالح كمثل: روكفلر، وفورد، وراند، وكارنيجي… وكان من أهم وظائف تلك المؤسسات: اكتشاف ورصد ودراسة الفضاءات التي تخدم المصالح الكبرى. وإقامة علاقات تقارب مع دوائر القرار السياسي بما يضمن درجة من التوافق تسمح بتبادل المساعدة. ] محمد حسنين هيكل »صناعة القرار الأميركي الآن« المنشور في جريدة السفير: بيروت: العدد 9534: تاريخ 1/ 7/ 2003م[.

V إشارة إلى كتاب »صدام الحضارات« لمؤلفه صاموئيل هنتنجتون. وهذ الكتاب هو بالأصل مقال نشرته فصلية Foreign affairs في صيف العام 1993م، وأثار جدلاً واسعاً، ثم قام الكاتب بتطويرها وتحويلها إلى كتاب، مستفيداً من تعليقات الطلاب الذين كان يدربهم في حلقة دراسية –في جامعة هارفارد في سنتي 1994 و1995م- عن طبيعة عالم ما بعد الحرب الباردة. وقد صدر الكتاب في العام 1996م.

VV إشارة إلى كتاب »نهاية التاريخ« لمؤلفه فرنسيس فوكوياما. وهو بالأصل محاضرة ألقاها في جامعة شيكاغو خلال العامين 1998م و1999م، ونُشر على شكل مقال بتشجيع من رئيس تحرير مجلة The national interest. وتحوَّل –فيما بعد- إلى كتاب بعد أن أثار المقال جدلاً واسعاً.

([2]) جاء في خطاب أيزنهاور –الرئيس الأميركي الأسبق ودامت فترة رئاسته (1952م – 1960م)- تحذيرٌ من زيادة نفوذ المجموعة الصناعية العسكرية المالية السياسية والفكرية، وهو نفوذ غير مسبوق في التجربة الأميركية. ولهذا حذَّر من وصولها إلى موقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي على القرار الأميركي. ]راجع محمد حسنين هيكل في مقالته »صناعة القرار الأميركي الآن«: م. س[.

([3]) في العام 2000م، وضعت منظمة »مشروع لقرن جديد «، وهي منظمة أميركية متطرفة، برنامجاً من أجل إعادة بناء الدفاعات الأمريكية، وهي دعوة إلى بناء »الأممية الأمريكية« الرامية إلى = =بسط السيطرة على الكرة الأرضية. كثيرون من الذين شاركوا في وضع تلك الأفكار، هم من غلاة الصقور الذين يتربعون على مناصب في الإدارة الحالية، ومن بينهم بول وولفوويتز، ريتشارد بيرل، جون بولتون، ايليوت كوهين، لويس ليبي، دوف سيخيم وستيفين كاربون، ومن بين هؤلاء يهود صهاينة وأمريكيون يتسمون بارتباطاتهم بالمصالح الإسرائيلية والصهيونية.

مجموعة أخرى من الذين يشغلون مناصب مهمة في حكومة الجمهوريين، كانت شديدة الارتباط بالشركات النفطية الكبرى. الرئيس نفسه كانت لديه شركة: بوش إكسبورتيشين؛ شيني كان عضوا في الهيئة الإدارية لشركة هاليبورتون التي حصلت على عقود يسيل لها اللعاب، في تعمير صناعة النفط العراقية؛ كوندوليزا رايس أتت من شيفرون؛ وزير التجارة كان رئيسا لشركة توم براون ولشركة شارب دريلينغ؛ وغيرهم كانوا مدراء تنفيذيين في شركتي اكسون وإنرون. البعض يشكون وآخرون يؤكدون بأنه تمّ التخطيط لهذه المغامرة الحربية استجابة لمصالح جيوب هؤلاء السادة.

] كمثل (مجلس العلاقات الخارجية) في نيويورك. وتقوم مراكز الأبحاث على قاعدة بناء مؤسسات تابعة للشركات الرأسمالية الأميركية الكبرى. وقد تأسست مئات منها –بعد الحرب العالمية الثانية- وحملت أسماء أصحاب أكبر المصالح، مثل: روكفلر، وفورد، وراند، وكارنيجي، وغيرهم. وأصبحت كل مؤسسة »شبه حكومة«، تمارس نشاطات غير محدودة في مجال التفكير الاستراتيجي، ورسم السياسات، ومتابعة الأزمات، وكتابة الأوراق، واقتراح الحلول. وقد وجد الجميع في صيغة المؤسسة تحقيقاً شديد الكفاءة لهدفين واضحين: الأول اكتشاف ورصد الفضاءات التي تريد المصالح الكبرى أن تعمل فيها وتتوسَّع وتزيد أرباحها. أما الثاني فهو إقامة علاقات صلة وقرب من دوائر القرار السياسي، ومتابعة مداخلها ومخارجها، بما يحقق درجة من التوافق تسمح بتبادل المساعدة وتعظيم الفائدة. ]راجع محمد حسنين هيكل في مقاله »صناعة القرار الأميركي الآن«، جريدة السفير: بيروت: العدد 9534، تاريخ 1/ 7/ 2003م[.

([4]) محمد حسنين هيكل في مقاله »القوات المسلحة في السياسة الأميركية«، المنشور في جريدة السفير: بيروت: العدد 9588: تاريخ 2/ 9/ 2003م، قال وزير الدفاع الأميركي أمام مجلس الأمن القومي الأميركي بين 14 و 15/ 9/ 2001م، ما يلي: أينما أدرنا البصر حولنا لا نجد هدفاً أنسب من العراق، لأنه يمتلك أسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى الإرهابيين، ولأنه يقع في المنطقة الحيوية للمصالح الأميركية، و»فيه جوائز هائلة يمكن الاستيلاء عليها بأقل تضحيات متصوَّرَة«.

([5]) نقلاً عن هيكل في مقاله »القوات المسلحة في السياسة الأميركية!«: م. س. جاء في خطاب بوش المذكور حول العراق ما يلي: »إن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح للنظام الأشد خطورة في العالم أن يهددها بواسطة أسلحة الدمار الشامل التي يملكها ويطورها ويقدر على استخدامها«.

([6]) 4/9/2003 لندن ـ القدس العربي : ورد في تقرير سري، صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، أعدَّته هيئة الأركان المشتركة أن الرئيس الأمريكي قد صادق علي مجمل العمليات العسكرية وكلفة الحرب، في نهاية شهر آب (أغسطس) العام الماضي، أي قبل ثمانية اشهر من بداية سقوط القنابل علي العاصمة العراقية بغداد، وقبل أن تذهب واشنطن للأمم المتحدة بحثاً عن قرار ثانٍ يعطيها تفويضاً لغزو العراق.

([7]) نقلاً عن محمد حسنين هيكل في مقاله »القوات المسلحة في السياسة الأميركية!«: م. س، قال رامسفيلد –وزير الدفاع الأميركي- في اجتماع لرؤساء أركان الحرب للجيش الأميركي، بتاريخ 1/ 2/ 2002م- إن دول الإقليم الصديقة للولايات المتحدة سوف تكون جاهزة لما يُطلَب منها، على الرغم من أنها لن تكون مندفعة بالمقدار نفسه للعام 1991م، وهي سوف تقدِّم قواعدها وتسهيلاتها لأي عمل أميركي لكن من دون المشاركة في الجنود على الأرض.

\ أو ليس من المثير للاستغراب أن يشارك الآلاف من العراقيين في صفوف الإيرانيين في الحرب الإيرانية – العراقية؟! أو ليس من المثير للاستغراب أن يشارك العراقيون في العدوان الأميركي على العراق؟! وإذا أردنا أن ندعم استغرابنا بأمثلة فهي كثيرة. ومن الملفت للنظر أن يكتسب أمثال أولئك الحق بالديموقراطية من خلال مشاركتهم العدوانيين الخارجيين بالعدوان على أوطانهم، وكأن الحق الديموقراطي يشرِّع مبدأ الخيانة الوطنية.

([8]) نقلاً عن مقال محمد حسنين هيكل »القوات المسلحة في السياسة الأميركية!«: م. س. يقول رامسفيلد: »إن لدينا حلفاء داخل العراق نفسه، وربما يقاتل بعضهم معنا… مثل الأكراد الذين لهم شبه دول مستقلة… والمعارضة العراقية وأنصارها في الداخل… لكن المسألة هي حجم قدرتهم بالتحديد«. ويقوم رامسفيلد بتحديد ها على الشكل التالي: /15,000/ رجلاً من الحزب الديموقراطي الكردي، و/10,000/ رجلاً من الحزب الوطني الكردي، و/6,000/ رجلاً من قوات شيعية تابعة لجماعات معارضة، و/5,000/ رجلاً تابعة لأحزاب عراقية في المنفى.

([9]) »أما دمقرطة العراق التي اعتبرت مسوغا أساسيا للغزو الأمريكي ـ البريطاني.. فقد آلت إلى محاولة فرض العملاء واللصوص والنصابين ممثلين للشعب العراقي في مجلس الحكم والحكومة الأخيرين عند الحاكم الأمريكي، وآلت إلى بعث الطائفية والإثنية والإقليمية.. وبذلك تم الرجوع بالبلاد إلى الوراء إلى ما قبل سنة 1958 بل إلى ما قبل الحكم الملكي الهاشمي نفسه«. أشار إلى هذه المسألة مقال على الأنترنت، بتاريخ 25/ 9/ 2003م، تحت عنوان »مأزق المغامرة الأمريكية في العراق«، بقلم العربي الرحالي.

([10]) راجع محمد حسنين هيكل في مقاله »القوات المسلحة في السياسة الأميركية«، م. س.

([11]) راجع حسن صبرا: »خميني العراق ضحية الفوضى الأميركية«(3 - 5): مجلة الشراع: بيروت: العدد 1100، تاريخ 8/ 9/ 2003م. وفي افتتاحيته يذكر أهم أسس التنسيق الإيراني – الأميركي، ومنها: سكوت الأميركيين عن الملف النووي الإيراني، ومحاصرة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، والابتعاد عن إثارة المعارضة الإيرانية في الداخل الإيراني، وإعطاء حصة ملحوظة للتيارات السياسية الشيعية العراقية الموالية لإيران. وفي المقابل تلتزم الحكومة الإيرانية بتأييد مجلس الحكم الانتقالي من خلال المشاركة فيه ومبايعته والاعتراف به. كما تلتزم إيران بعدم تأييد أو تسهيل أية أعمال مسلَّحة ضد قوات الاحتلال في العراق.

([12]) جاء في موقف الشيخ صبحي الطفيلي حول تنسيق الحكومة الإيرانية مع أميركا في العراق، أنه بدلاً من أن تقف ضد العدوان الأميركي، نراها تقف مع »مجلس الحكم الانتقالي في العراق، أي مع السلطة الأميركية«. ]جريدة السفير: بيروت: العدد 9594، تاريخ 9/ 9/ 2003م[.

([13]) جاء في مقال محمد حسنين هيكل »القوات المسلحة في السياسة الأميركية«، حول المخاوف من غياب غطاء شرعي وقانوني عن الحرب من أن يقع الجنود الأميركيون تحت عبء ضغط أخلاقي. وكان كولن باول –وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية- هو الذي قاد تلك الحملة تحت الذرائع التالية: »إن القوة الأميركية، دائماً، في خدمة مبدأ. وهذا المبدأ يلزمه غطاء قانوني وغطاء أخلاقي«، وبدونهما يتحول العمل العسكري من قتال إلى مجرد قتل، وفيه »لا يختلف جنرال على كتفه أربعة نجوم عن مرتزق يحمل في يده سكيناً«. وفي العمل العسكري يجب التمييز بين »أن يكون المحارب مقاتلاً، وبين أن يكون قاتلاً«.

V لقد صدرت تصريحات واضحة من بعض المسؤولين على أعلى المستويات في كل من روسيا وألمانيا وفرنسا. وصدر تصريح عن موسكو مفاده أن القيادة الروسية لا تريد أن تُمنى الولايات المتحدة بهزيمة في العراق. ]راجع جريدة النهار: بيروت: العدد 21570، 3/ 4/ 2003م[.

V راجع الملحق الرقم (43)، تحت عنوان »تقرير منسوب إلى مصادر روسية«.

([14]) من المفيد، هنا، أن ننقل بعضاً من أجزاء السيناريو الذي وضعه (إيمانويل والرشتاين) –أستاذ أبحاث في جامعة يال، وفيه يقول: كان صدام حسين يعلم أن قوة جيشه محدودة، وكان يعلم أنه سيخسر الحرب. ويتساءل الكاتب: إذا كنت صدام، فماذا ستفعل في حالة كهذه؟ ليجيب بدوره: عليك التأكد من نجاة أكبر قدر ممكن من المقاتلين الشرسين، وتنسحب من المعركة النظامية في الوقت المناسب، وتبدأ حرب عصابات تستهدف أولاً الجنود الأميركيين وثانياً المتعاونين معهم. وتنتظر تآكل الموقف الأميركي من جراء الخسارة التدريجية في أرواح الجنود، وعلى عدم القدرة على إدارة الأمور في العراق، وثم تآكل الدعم الأميركي للعملية. ومن خلال تلك المقاومة ستختفي صورة صدام الديكاتور –كما صورته وسائل الإعلام الأميركية، وتحل مكانها صورة صدام المقاوم الوطني. ]راجع جريدة السفير، العدد 9565، تاريخ 6/ 8/ 2003م[.

ومن جانب آخر، يشير علي بلوط إلى تعميم من القيادة العراقية كانت قد وزَّعته، في تموز/ يوليو من العام 2002م، يتضمَّن تحديد إجراءات يمكن تطبيقها في الحالة التي تحتل فيها القوات الأميركية = =العراق. والغاية من تلك الإجراءات هي أن يستعيد العراقيون حالة التوازن بين قوتهم وقوات الاحتلال، من خلال اللجوء إلى تكتيكات المقاومة الشعبية، أي ممارسة حرب العصابات. ويشير التقرير المذكور إلى أن صدام حسين عمل طوال أربع سنوات لتكييف القدرات العسكرية العراقية مع حرب العصابات. ]راجع، علي بلوط: »خطة صدام حسين لما بعد الحرب«(20 - 21): مجلة الشراع: بيروت: العدد 1100، تاريخ 8/ 9/ 2003م[.

([15]) أولى أصحاب مشروع »القرن الأميركي الجديد«، ومن أهمهم: (تشيني، رامسفيلد، ريتشارد بيرل، بول ولفووتيز، وليم كريستول…)، الإعلام اهتماماً كبيراً في العدوان على العراق، وقد جاء في إحدى توصيات أصحاب المشروع –كما أوردته جريدة القدس العربي (أواسط تموز / يوليو 2003م)- ما يلي: من الضروري أن تركز أجهزة الإعلام، وخاصة الفضائيات وكُتّاب المقالات والتعليقات، على الموبقات والجرائم التي ارتكبها نظام صدام حسين، بشكل يومي، وتكرار التعليق على المقابر الجماعية وضحايا الأسلحة الكيماوية، وعلى أحداث القتل والاعدامات والتحكم الفردي بمقدرات العراق، دون نسيان الحديث عن القصور الفخمة والبذخ والاسراف، وذلك من أجل صرف النظر عن الاحتلال الأميركي.

([16]) أشار إلى هذه المسألة مقال على الأنترنت، بتاريخ 25/ 9/ 2003م، تحت عنوان »مأزق المغامرة الأمريكية في العراق«، بقلم العربي الرحالي.



الاربعاء 16 ربيع الاول 1425 / 5 آيار 2004